كهوف أفغانستان
ماذا يفعل بوش مع كهوف الهندوكوش؟ ولا عجب من أن يتمنى الأفغان أن يطأ الأمريكيون بأقدامهم أرضهم؛ حتى تبتلعهم، كما ابتلعت من سبقهم؛ فكما يقول الجغرافيون: إن الحرب على أرض جبلية أو غابة استوائية من أصعب ما يمكن، وخاصة إذا كان أهالي هذه المناطق يعرفون كل شبر فيها، وكل واد سحيق، وكل كهف في صدر جبالها، ويتعايشون مع ثلوجها. فكما هزمت غابات فيتنام الجيوش الأمريكية العاتية، لن تنجو أمريكا من مصيدة أفغانستان إذا ما قررت حربا برية، وربما لن يشفع لها معرفتها ببعض كهوف هذه البلاد أثناء مساعدة C.I.A. للأفغان ضد الروس، والتي حاولت استهدافها من قبل في ضربة أغسطس من عام 1998.
ورقة شجر.. هكذا يبدو شكل أفغانستان الجغرافي، وهي تعادل تقريبا حجم ولاية تكساس الأمريكية. يحدُّها من الشمال تركمانستان، وتشارك حدودها فيما يقرب من 744 كيلومترا، ويحدّها شمالا أيضا أوزبكستان (137 كيلومترا)، وطاجكستان (1.206 كم)، وفي أقصى حدودها الشمالية الشرقية تقابل الصين (76كم). أما باكستان فتحدّها من الشرق والجنوب، وتمثل حدودها معها ما يقرب من (2.430 كم)، وتقع إيران في حدودها الغربية (936 كم ). مساحة البلاد هي (652000 كم مربع) = (251.737 ميل مربع)، ويقطنها حسب إحصائيات 2001 ما يقرب من 26.813.557 مليونا بزيادة سنوية تقدر ب 2.4 %.
وإذا تجولنا جغرافيا ما بين السهول والهضاب، والصحارى والغابات لهذه البلاد العريقة؛ فسنجد أن أكثر ما يميزها هو سلسلة جبال الهندوكوش ( (Hindukushالواسعة، وهي منطقة جبلية عتيدة، تعمل كأنها حاجز يفصل المقاطعات الشمالية الحصينة عن بقية أرجاء البلاد، أو إننا نستطيع القول بأنها تفصل البلاد إلى ثلاثة مقاطع جغرافية ألا وهي: المرتفعات الجبلية في الوسط، منطقة السهول الشمالية، والنجد الموجود في الجنوب الغربي.
* المرتفعات الجبلية المركزية:
وهي امتداد لسلسة جبال الهيمالايا، وفيها جبال الهندوكوش الرئيسية، والتي يصل أقصى ارتفاع لها 24 ألف قدم في الشرق (7.315 مترا)، وتقطع البلاد متجهة إلى الغرب. مساحتها تبلغ حوالي 160.000 ميل مربع، ويقطعها أودية ضيقة عميقة من مكان لآخر. عند شمال كابول بـ 100 ميل تتفرع الهندوكوش، وتكمل مسارها غربا تحت اسم جبال أخرى تسمى: بابا، باميان، وصافيد .... وأخرى.
كل سلسلة بدورها تتفرع في اتجاهات مختلفة، وتكوّن سلاسل جبلية فرعية مثل جبال التركمستان، والتي تمتد شمالا نحو الغرب، وجبال مزار، وجبال الكرد، والتي تمتد في اتجاه الجنوب الغربي.. كما تتفرع أيضا لتشكل منطقة سلاسل جبلية في الواجهة الشرقية مع باكستان، تعزل البلاد عن رياح "رينلادن" التي تهب من المحيط الهندي معلنة الجفاف.
هذه السلاسل المتفرعة التي لا تكاد تنتهي تُعد من أهم المناطق الإستراتيجية للبلاد، وقد كان لها الدور الفعال في لفظ المستعمرين على مدار مائتي عام. وبها معابر هامة مثل معبر شيبار الرئيسي، والذي يقع شمال غرب كابول العاصمة، ومعبر خيبر، والذي يفصل أفغانستان عن باكستان.
ومن بين هذه المرتفعات تقع منطقة بدخشان، والتي تُعد منشأ لكثير من الزلازل التي تحدث للبلاد كل عام. تربة هذه المرتفعات تربة صحراوية لا تتمتع بالخصوبة إلا بعض المناطق الخضراء المتناثرة.
* منطقة السهول الشمالية:
الجبال تحتضن الأنهار
وهي تقع شمال سلاسل الجبال في الوسط، وتمتد شرقا من الحدود الإيرانية إلى تلال الباميرز في الغرب، بجانب حدودها مع طاجكستان، وتضم 40.000 ميل مربع من السهول والتلال الخصبة تميل برفق ناحية نهر "الأمة" (أوكسس Oxus سابقاً).
معدل ارتفاع هذه المناطق هو 2000 قدم، وبها كثافة سكانية عالية تعمل بالزراعة، زيادة على أنها منطقة غنية بالمعادن والموارد الطبيعية، وخاصة الغاز الطبيعي.
* النجد الجنوبي الغربي:
النجد هو السهل الواسع المرتفع، وهو يقع جنوب الأراضي المرتفعة في الوسط، ويصل معدل ارتفاعه إلى 3000 (ثلاث آلاف قدم)، ويغطي مساحة تُقدر بـ 50000 ميل مربع. ربع هذه المساحة تمثل صحراء ريجستان وصحراء المارجوب التي تقع غرب صحراء الريجستان الواسعة، ويقطع هذا النجد عدة أنهار رئيسية لأفغانستان مثل نهر الهيلماند ونهر أرجنداب التابع له.
التربة صحراوية غير خصبة ما عدا المنطقة التي تقع بامتداد الأنهار في الجنوب الغربي؛ حيث يتواجد الترسيب الطميي. ومن حين لآخر يطالعك بديع صنع الله في اللوح الطبيعية التي ترسمها مقومات الطبيعة الخلابة لبلاد أفغانستان.
المدن الأفغانية نابضة بالحياة رغم الدمار
من أشهر مدن أفغانستان كابول العاصمة، وهي مدينة هادئة لا تعج بالحركة كسائر العواصم العالمية، وقد دُمِّرت أجزاء كثيرة منها من جراء الحروب السابقة.. ثم تأتي قندهار ثاني أكبر مدن أفغانستان، وهي مدينة رائعة رغم الدمار الذي لحق بها أيضاً، ويقطنها "الأفغان العصريون" كما يسمونهم. "حيرات" ثالث أكبر مدن البلاد، وأول مدينة تقابلها وأنت قادم من إيران، وهي مدينة سياحية عريقة تزخر بالحرف اليدوية والملابس لاستقبال السياح. أما مقاطعة جلال آباد فهي مدينة إستراتيجية تقع شرق أفغانستان بارتفاع 590 مترا، وهي معبر أساسي لحركة التجارة مع الهند وباكستان. ومزار شريف الخصبة والتي ترتفع 380 مترا فوق سطح الأرض، وتتميز بصناعة السجاد وبالمناطق الأثرية... وغيرها من المدن العديدة.
أجواء أفغانستان على طرفي نقيض
جو أفغانستان عامة قارس البرودة شتاءً، حار صيفا؛ فجو الشتاء يتأثر بقوة بكتلة الهواء الباردة القادمة من الشمال، وكتلة الشمال الغربي القادمة من المحيط الهندي. هاتان الكتلتان تؤديان إلى البرد القارس على المرتفعات التي تغطي قممها الثلوج البيضاء، وتؤديان أيضا إلى الأمطار على المرتفعات المنخفضة، وتتراوح درجات الحرارة ما بين 35ْم في الصيف، وقد تصل إلى - 15ْم في شهر يناير في المناطق المرتفعة.
سجلت كابول العاصمة -والتي تقع على ارتفاع 5.900- أقل درجة حرارة لها، وهي-13. كما تتأثر البلاد بالرياح الموسمية الهندية Moonsoon والتي تهب على البلاد عادة بين شهري يوليه وسبتمبر، وتحمل معها الكتل الهوائية الاستوائية المحملة بالرطوبة والأمطار، وتتسبب هذه الرياح في تعرية التربة في المناطق المرتفعة في الوسط. أما الصيف فهو حار جاف بلا سحب على جميع البلاد إلا في منطقة الرياح الموسمية الهندية.
الزراعة الحرفة الرئيسية للسكان
الطبيعة تحمي أفغانستان
تكثر المناطق الزراعية في الشمال، ويصل الري إلى 30.000 كم2 حسب إحصائيات عام 1993 .. المحصول الرئيسي هو القمح يليه أنواع أخرى من الزراعات كزراعة الذرة، الأرز، الشعير، الفواكه، السوداني، كما زرعت المخدرات في أماكن شاسعة في البلاد للتجارة غير المشروعة قبل أن تبذل حركة طالبان جهودا مضنية في محاولة للقضاء عليها.
الماشية وتضم الخراف، الماعز، العجول، الحمير، الخيول، الجمال، الجواميس، وغيرها، ويأتي ثلثا إنتاج اللبن من البقر. حتى الصناعة تعتمد غالبا على الزراعة وتربية الماشية؛ فأهم صناعات البلاد هي صناعة الملابس من الأقطان، كما يصنع أيضا حرير الرايون والإسمنت، السكر، الزيوت، الصابون، ملابس الصوف، الأحذية. فضلا عن الأسمدة الزراعية والحرف اليدوية المميزة كالحلي.
يعيش معظم سكان البلاد على الزراعة، وهناك بين الناس صغار التجار وموظفي الحكومة.
الموارد الطبيعية والحياة البرية
أهم اكتشاف في أفغانستان كان الغاز الطبيعي، والذي تمتد خطوطه إلى أوزبكستان وطاجكستان، وأهم منطقة له تبعد 75 ميلا غرب مزار شريف. ويتواجد البترول ولكن ليس بالصورة المميزة، كما أن هناك أيضاً مخزون الفحم في منحدرات الهندوكوش، والحديد الخام، والنحاس، واليورانيوم، والزنك، فضلا عن الملح، والذهب، والفضة، والكبريت، وغيرها من الموارد التي تزخر بها أرض أفغانستان.
تغطي الغابات حوالي 3 % من أرض أفغانستان خاصة في المناطق الشرقية والمنحدرات الجنوبية للهندوكوش، وهناك أنواع متعددة من الأشجار من بينها شجر الداك لاستخراج الوقود، وشجر الباستاش بديل الفول السوداني.
وتتمتع أفغانستان بحياة برية مميزة؛ فما بين غزلان التلال إلى اللبوا الثلجية على مرتفعات الجبال .. إلى الدببة البُنِّية في الغابات وعلى الجبال. كما تنتشر أنواع عديدة من الطيور منها النسور، البجع، السمان، وطائر الكركي.
صادرات.. وواردات
ثلثا صادرات أفغانستان تتجه إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وسُبْع صادراتها تذهب إلى إنجلترا وألمانيا، ومن أشهر هذه الصادرات الغاز الطبيعي، والفواكه الجافة، والسوداني، والسجاد والصوف.
أيضاً، استيراد البلاد الأساسي يأتي من الاتحاد السوفيتي السابق، ثم اليابان، وسنغافورة، والصين، والهند، ومن أشهر ما تحتاجه أفغانستان أدوات النقل، والمنتجات البترولية، والسكر، والشاي، والحيوانات المصنعة.
إنها حقاً حرب مختلفة
ضد من ستحارب أمريكا؟!.. ضد جبال الهندوكوش بكهوفها وأوديتها؟! .. ضد قمم الجبال الثلجية والبرودة القاسية.. أم ضد رياح المانسون المحملة بالأتربة الخانقة؟!
لا شك أننا نضم أصواتنا لما قاله بوش من أنها ستكون حرباً مختلفة.. إذا ما قررت أمريكا أن تدخل بقدميْها إلى هذه البلاد.