ثمة صداقات تُؤذي قلوبنا. الأصدقاء الذين هم كثيرو الانتقاد وذكر عيوب الآخرين، أو
الذين لا يُمكن التنبؤ بتصرفاتهم وردود أفعالهم، أو الذين ليسوا أهلاً للثقة
والاعتماد، هم ليسوا فقط مُؤذين لنفوسنا، بل ما يُؤكده الباحثون من الولايات
المتحدة، هو أنهم قاسون جداً على صحة قلوبنا.
ووفق ما تم نشره في الخامس والعشرين من شهر يونيو (حزيران)، بالمجلة الأميركية
لمدونات الطب السلوكي، قام الباحثون من ولاية أوتاوا الأميركية بالبحث في التأثيرات
قصيرة المدى على القلب والأوعية الدموية للأشخاص الذين يُصادقون أناساً متناقضين في
مشاعرهم وتعاملاتهم، ولذا تتميز العلاقة معهم بأنها من النوعية المتأرجحة ما بين
الحب والكره.
ووجد الباحثون من جامعة بريغهام يونغ في بروفو بأوتاوا أن مجرد وجود أحدنا، في مكان
ما، مع صديق من هذه النوعية، يُؤدي إلى ارتفاع مقدار عدد نبضات القلب لدينا، إضافة
إلى وضعنا على شفير فقد السيطرة على الأعصاب. لكن الأسوأ من هذا، هو أن حصول نقاش
مع هذا الصديق حول أي من الصعوبات التي تواجهنا، يُؤدي إلى ارتفاع مقدار ضغط الدم
أيضاً.
ونوعية الأصدقاء المتأرجحين تدع الواحد منا غير متأكد أو واثق بما سيُقدمون لنا من
تعاطف في حال الاحتياج إليه. أي الذين لا ندري هل سيُقدمون لنا الدعم أو
اللامبالاة؟ ولا نعلم هل سيتفهمون ما نُعاني منه أم سيُمطروننا بوابل من النقد
الجارح؟ لكن المأزق هو أنهم قد يكونون أشخاصاً مهمين بالنسبة لنا، ولصيقين بنا.
ولذا ليس من السهل النجاة من تأثيراتهم على حياتنا، بخلاف ما لو كانوا أحد زملاء
العمل أو الجيران الذين قد نتخلص منهم بسهولة، بناء على سلوكياتهم الفجة في
التعامل. بل قد يكونون ممن نُحب أو ممن نود أن نعتني بهم أو ممن نحن مجبرون على
التعامل معهم دوماً.
لكن تظل، في نفس الوقت، نوعية التعامل الذي يُقدمونه لنا سبباً في صعوبة ارتياحنا
لهم أو لحضورهم أو لتقبل آرائهم.
وما علقت به الدكتورة جولياني هولت لينستاد، طبيبة النفسية والباحثة الرئيسة في
الدراسة، هو أنه من غير المعلوم حتى اليوم، التبعات بعيدة المدى المترتبة على هذه
الصدمات التي تطول القلب والأوعية الدموية، في إشارة منها إلى ارتفاع النبض وضغط
الدم، عند مجرد لقاء هؤلاء أو فتح نقاش معهم. لكنها تتوقع أن في حال استمرارية
معاشرة هؤلاء، وبالتالي استمرارية تأثر القلب والأوعية الدموية بهذه الاضطرابات،
فإن من المحتمل أن تتأثر صحة القلب لدى الإنسان لا محالة.
شملت الدراسة حوالي 110 أشخاص، من الشبان والشابات الأصحاء. الذين طُلب منهم أن
يُسموا عشرة من أصدقائهم. وأن يُصنفوهم، وفق إجابتهم على مجموعة من الأسئلة، إما
كأصدقاء داعمين أو متأرجحين. ثم طلب من كل واحد من المشاركين أن يجتمع في المختبر
إما مع أحد الأصدقاء الداعمين أو أحد الأصدقاء المتأرجحين. وذلك لمعرفة كيف سيتأثر
القلب وضغط الدم لمجرد حضورهم. ثم بعد ذلك طُلب منهم البدء في مناقشة مع كلا نوعي
الأصدقاء، حول إما أحد الأمور السلبية التي قد تُصيب أياً من المشاركين في الدراسة،
مثل التعرض للطرد من العمل. أو أحد الأمور الإيجابية، مثل الحصول على ترقية. أو أحد
الأمور العادية. وذلك لمعرفة أيضاً ما هي نوعية تأثر القلب وضغط الدم بنوعية تعامل
كلا نوعي الأصدقاء.
وتبين للباحثين أن نبض القلب يرتفع بمجرد جلوس الإنسان مع الصديق المتأرجح نتيجة
للتوتر النفسي، بخلاف الصديق الداعم الذي نرتاح نفسياً لحضوره. وأن طرح أحد الأمور
السلبية التي تعرضنا لها، وهو ما من الطبيعي أن نحتاج لمساندة ودعم من الأصدقاء في
مواجهتها، للنقاش مع الصديق المتأرجح، يُؤدي إلى رفع مقدار ضغط الدم بدرجة واضحة
وأكبر مما قد يحصل مع الصديق الداعم.
والواقع أن العديد من الدراسات السابقة قد أثبتت المفعول الإيجابي لدعم أفراد
الأسرة أو الأصدقاء في تخفيف تأثيرات التوتر على الإنسان. لكن هذه النوعية المزعجة
من الأصدقاء، أو حتى الأقارب، ليس أنها غير مُجدية إنما ضارة بالإنسان، بل ربما في
غالب الأحوال مصدر قلق وتوتر على الإنسان.
إذْ ما هو الحل مع هذه النوعية من الناس؟ ربما من الصعب إيجاد حل يُلغي وجود أو
يُزيل عنّا تأثيرات تعليقاتهم أو تعاملاتهم من حياتنا. لأن الدراسة هذه، وغيرها،
أشارت صراحة إلى أن أكثر من نصف صداقاتنا هي في الحقيقة مع أناس من هذه النوعية
المُؤذية لمشاعرنا. وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء، الزوجة أو الزوج أو الأقارب أو زملاء
العمل أو الجيران الذين هم على هذه الشاكلة، فإن لنا أن نتخيل حجم معاناة قلوبنا
ممن هم مُحيطون بنا طوال اليوم. لكن ربما يظل أفضل ما يُمكن للمرء فعله، هو الحرص
على قضاء أكثر الأوقات مع الأصدقاء الداعمين والمتفهمين، والأهم هو عدم التفريط في
أي من هؤلاء الإيجابيين مهما بلغ الأمر.